|
......
|
|
|
من ساعات الندم: يوم يكون العبد في قبره معذباً يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، وفي لحظة من اللحظات ينشق عنه القبر، ماذا يسمع؟ يسمع صوت السماء وهي تنشق وتنفطر، ينظر إلى الكواكب وهي تتناثر، والشمس قد انطمست وذهب نورها، يخرج من قبره فينظر إلى البحار قد انفجرت وتحولت إلى طين، ماذا يخرج من تحته؟ إنهم أناس يخرجون من تحته، والوحوش تخرج، ما بال الناس ينفضون عن وجوههم التراب، ماذا يقول؟ يقول إن كان مفرطاً: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52]^ يصرخ.. يا ويلنا ماذا فعلنا في الدنيا؟! كان لاهياً غافلاً متمتعاً، كان يأكل ويشرب، كان يلهو ويلعب، كان غافلاً عن الأجل فيصرخ ويقول: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52]^ فيقول الصالحون له: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52]^. فاطمة زوجة عمر بن عبد العزيز كانت تبكي بعد وفاة عمر ، فقيل لها: ما يبكيك؟! أأسفاً على عمر ؟ فوالله إنه بعد الموت لهو خير منه قبله، فقالت: لا والله ما أبكي على موته ولا على وفاته، تقول: رأيته ليلة قائماً يصلي، فأخذ يقرأ حتى وصل إلى قول الله: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ الْمَنْفُوشِ [القارعة:4-5]^ فصاح وقال: يا سوء صباحاه! يا سوء صباحاه! حتى سقط، ثم قام على ذراعيه وأخذ يبكي ويئن حتى ظننت أن روحه سوف تخرج، ثم هدأ، ثم بعد ذلك قرأ مرةً أخرى وقال: يا سوء صباحاه! يا سوء صباحاه! ويلي من يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث، تقول: ثم سقط كالميت ولم يستيقظ إلا على أذان الفجر تقول: فكلما تذكرته بكيت: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:41-42]^ يا له من ندم! ويالها من حسرة! تخرج فتنظر إلى أمك وهي تناديك وتقول: يا بني! حسنة أتبلغ بها، يا بني: حسنة أفك بها رقبتي من النار، فتقول لها: إليكِ عني، إليكِ عني. يناديك الأب، فيقول: يا ولدي! لقد أطعمتك من جوع وكسيتك من عري، يا بني! حسنة أتبلغ بها، فتقول له: نفسي نفسي، إليكَ عني يا أبي. يأتيك الابن فيبكي ويقول: يا أبي! حسنة أدخل بها الجنة، فتقول له: إليك عني إليك عني. فهذه من ساعات الندم.
|
|
|
|
|
|
|
|
من ساعات الندم: ساعة يطول فيها مكوث العبد في قبره في الظلمة، يقام في ذلك القبر الضيق المظلم فماذا ينظر؟ إنه يرى ملكين أسودين أزرقين يقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ ما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، هاه هاه لا أدري، ماذا يدري في الدنيا؟ ماذا يحفظ؟ يحفظ الأغاني والزمر والطرب، يحفظ المسلسلات والأفلام، أما أنه يحفظ كلام الله فلا والله، أما أنه يعرف السنن، فلا والله، كان يقلد فلاناً وفلانة ولا يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يعرف في الدنيا كلام الله، بل كان يعرف كلام الشيطان. إن لم تجب على ذلك السؤال ماذا يكون مصيرك؟!! يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]^. الآن يتذكر عقوق والديه، يوم عق والده، وعق أمه، يوم قطع رحمه، الآن يتذكر يوم أكل الربا، ويتذكر يوم استمع إلى الأغاني، يأتيه رجلٌ منتن الثياب قبيح المنظر وجهه يجيء بالشر فيقول: من أنت؛ فوجهك يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث.. أنا ذلك اليوم الذي ذهبت فيه إلى تلك المنكرات، أنا ذلك اليوم الذي غبت فيه عن الصلوات، أنا ذلك اليوم الذي استمعت فيه إلى الأغاني والمسلسلات، أنا ذلك اليوم الذي تجولت فيه في الأسواق تنظر إلى النساء يمنة ويسرة لا ترعى لله حرمة، أنا ذلك اليوم الذي غفلت فيه عن الله وفرطت فيه في الطاعات، أنا ذلك اليوم... أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد.
|
|
|
|
ندم الصالحين على فوات الطاعة
|
|
|
|
|
|
|
|
ومن ساعات الندم -أيها الإخوة!- ساعة كلنا مقبلون عليها، وكل منا سوف يأتيها، الصالح والفاجر والملك والفقير، العظيم والحقير، الكبير والصغير، كلٌ منا سوف يقدم عليها، ما هي هذه الساعة؟ إنها ساعة الاحتضار، روي عن أبان بن عياش رحمه الله، قال: خرجت من عند أنس بن مالك في البصرةفإذا جنازة تمر عليَّ يتبعها أربعة نفر، فقلت: سبحان الله! جنازة لا يتبعها إلا أربعة! قال: فأخذت العهد على نفسي لأتبعن هذه الجنازة، فاتبعتها حتى إذا كنا في المقبرة، قال: فصلينا عليها ثم دفناها وبعد أن قضينا دفنها قلت لهم: أسألكم بالله جنازة من المسلمين لا يتبعها إلا أربعة نفر أين المسلمون؟! فقالوا: انظر إلى هذه المرأة، فإذا امرأة من بعيد، قالوا: فإنها استأجرتنا لنتبع هذه الجنازة، اذهب إليها فاسألها عن الخبر، قال: فتبعتها حتى دخلت بيتها، فطرقت الباب عليها فخرجت فسألتها فقلت: يرحمك الله ما بال هذه الجنازة؟ قالت: هذا ابني، لما حضرته ساعة الوفاة -انظروا إلى الندم وتذكر المعاصي وكان عاقاً لأمه فاجراً فاسقاً- قال لي: يا أماه! أتريدين السعادة لي؟ قلت: إي والله أريد لك السعادة. مهما عق الابن أمه أو أباه فإنهم في تلك الساعة ينسيان كل شيء ولا يتذكران إلا سعادة الابن، قلت: إي والله أريد لك السعادة، فقال: إذا اقتربت ساعتي فضعي قدمك على خدي ثم قولي: هذا جزاء من يعصي الله، ثم ارفعي يديك إلى الله عز وجل وقولي: اللهم إني قد أمسيت راضية عنه، فارض عنه، ولا تخبري أحداً بموتي فإنهم يعرفون أني أعصي الله ولا أطيعه، تقول: فلما اقتربت ساعته وضعت قدمي على خده ورفعت يديَّ إلى الله، وقلت: هذا جزاء من يعصي الله، اللهم إني قد أمسيت راضية عنه فارض عنه، قال: وبعد قليل تبسمت، فقلت لها: ما الذي حدث؟ قالت: رأيته البارحة في المنام وهو يضحك فقلت له: مالك؟ قال: لقيت رباً كريماً رحيماً غير غضبان؛ بدعوتك لي يا أماه. انظروا إلى تلك الساعة التي يقترب فيها الرجل من آخرته. عثمان رضي الله عنه كان إذا حضر جنازةً بكى، قيل له: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: [القبر أول منازل الآخرة، فإن كان يسيراً فما بعده أيسر، وإن كان شديداً فما بعده أشد]. عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخليفة الراشد بعدما صلى بالمسلمين العيد خرج مع أصحابه فمر على مقبرة فقال لأصحابه: اجلسوا انتظروني، فنزل من بغلته -وكان أميراً للمؤمنين- ونظر إلى الملوك والأمراء والوزراء والعظماء والسادة أين هم تحت التراب، فأخذ ينشد ويقول: أتيت القبور فناديتـها أين المعظم والمحتقر
تفانوا جميعاً فما مخـبر وما توا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحوا محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر ثم قال: أيها الموت! ماذا فعلت بالأحبة؟! ثم جلس وأخذ يبكي وينتحب، ثم رجع إلى أصحابه وهم ينظرون إليه، فقال: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا ندري. قال: يقول: بدأت بالحدقتين فأكلت العينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الفخذين. كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:26-27]^. ساعة ندم، تتذكر فيها -يا عبد الله- يوم كنت تفتح المجلة وتنظر إليها ولا أحد ينظر إليك، تتذكر يوم كنت تجلس أمام التلفاز وتقول: سوف أستغفر الله.. سوف أصلي.. سوف أتوب، تتذكر يوم أن كنت تحادثها بالهاتف ولا أحد يسمعك إلا الله، تتذكر يوم أن كنت تسمع المؤذن يؤذن لصلاة الفجر وتستيقظ ثم تقول: أصلي بعد طلوع الشمس، تتذكر يوماً من الأيام كنت تسمع الصالحين ينادونك فلا تستجيب لهم، تتذكر يوماً من الأيام تسمع مجالس الذكر فتولي هاربا، يوماً من الأيام كنت تأكل الربا، كنت تستهزئ بأهل الدين، وفي تلك الساعة تحس أن نبضات قلبك أصبحت ثقيلة، ضربة تسمعها، ثم ضربة أخرى تعدها، ثم ضربة ثالثة، ما بال القلب بدأت تثقل ضرباته؟ ما بال الأنفاس كأنها تخرج من ثقب إبرة؟ تنظر حولك، فإذا الأم تبكي عليك، تنظر إلى زوجتك قد احتضنت ابنتك وهي تبكي عليك، ابنك الصغير قد رمى نفسه عليك وهو يبكي ويقول: أبي..أبي! ولا تستطيع أن تجيبه، تنظر إلى أبيك وقد جاء بالطبيب، والطبيب يسمع دقات قلبك، وأنت تنظر وتعلم أن الفراق قد أتى، تنظر إلى إخوانك يبكون ويندبون وينوحون، تنظر إلى من حولك هم في واد وأنت في وادٍ آخر، ما بال القدمين قد بردتا؟ ما بال الساقين قد التصقتا؟ ما بال الكفين لا تستطيع أن تحركهما؟ ما بال العينين قد شخصتا كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ* إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30]^. تريد الروح أن تخرج فتنطلق تلك الصرخة رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]^ فتسمع الجواب: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100]^. لما حضرت معاذ بن جبل الوفاة ماذا كان يقول؟ قال: [أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار. ثم قال: مرحباً بالموت زائراً مغيباً، وحبيباً جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك]. أبو هريرة لما حضرته الوفاة، أتعرفون من هو أبو هريرة ؟ إنه طالب العلم الزاهد العابد، ما كان يشبع ليلة.. يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع العلم يقول: [لقد رأيتني يوماً أصرع يحسب الناس أنني مجنون وما بي إلا الجوع] جاع بطنه لله لطلب العلم، ليحفظ لنا هذا الدين، لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: [بعد السفر، وقلة الزاد، والخوف من الوقوع من الصراط في النار]. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]^ كل نفس سوف يأتيها هذا اليوم يا غافلاً عن العمل قد غره طول الأمل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل في تلك اللحظة تتذكر يوماً من الأيام ذهبت إلى بلاد الكفر والفجور والزنا والخنا فواقعته، تتذكر يوماً من الأيام كنت تسمع النداء فتولي هارباً، تتذكر يوماً من الأيام كنت تُدعى للإنفاق فأمسكت وأحجمت وبخلت، تتذكر يوماً من الأيام مررت على المنكرات والذنوب والفواحش ولم تنكرها، لم تأمر بالمعروف، ولم تنه عن المنكر، لم تتكلم في سبيل الله، لم تفعل شيئاً في سبيل الله، تتذكر هذه الذنوب كلها وأنت طريح الفراش.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
ساعة جعل الحسنات هباء منثوراً
|
|
|
المصدر* إسلام ويب*
|
|
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق