إختر لغتك

..

08‏/08‏/2012

أسباب انشراح الصدر وذهاب الهم والغم



الحمد لله الذي أنار قلب من شاء إلى الإيمان، وشرحه للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله - عليه أفضل الصلاة والسلام -.

أما بعد:
فيا أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فمن اتقاه جعل له من كل ضيق مخرجا، ومن كل ضيق فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
إخوة الإسلام:
إن الدنيا دار لا تخلو من الشدة واللأواء، ولا يسلم فيها الإنسان من الهموم والغموم والشقاء.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" رواه مسلم.
إن المتأمل لأهل هذا العصر يجد كثرة الشكوى من الكآبة والضيق، والتضجر والقلق بسبب الهموم المتنوعة والأمراض النفسية المختلفة، حتى وصل الأمر عند البعض إلى الانتحار - والعياذ بالله - لهذا فالحاجة ماسَّة لمعرفة المنهج الذي يُقيم الحياة الطيبة، ويكفُل انشراح الصدور، ويجلب الفرح والحبور والبهجة والسرور.
إخوة الإسلام:
وهذه وقفات عند الأسباب التي تحقق تلك المطالب الثمينة، والمعاني السامية وَفق منهج الوحيين وسيرة سيد الأنبياء والمرسلين - عليه أفضل الصلاة والتسليم - فأولُ هذه الأسباب:
— تحقيقُ الإيمان بالله - جل وعلا – الإيمان المتضمنُ محبةَ الله ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإفراد الله - جل وعلا - بالخوف والرجاء، وتفويض الأمور إليه والاعتماد عليه وحده، والوقوف عند حدوده.. {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:
— فالسعادة في الطاعة والبهجة في العبادة، والشقاء بكل معانيه، والضنك بجميع مفاهمه في الشرك بالله - جل وعلا - والابتداع في الدين، وفي المعاصي والسيئات، فما يُجازى به المسيءُ من ضيق الصدر وقسوة القلب، وغمه وهمه وحزنه وخوفه، فهي عقوبات عاجلة ونار دنيوية، كما قال ابن القيم - رحمه الله - يقول - جل وعلا -: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه: 124].
أيها المسلم:
اعلم أن المتفرد بالتدبير والتصريف هو الله - تبارك وتعالى - وأنه - سبحانه - هو أرحم بعبده المؤمن من نفسه، فانطرح بين يديه - سبحانه - واعتمد عليه وثق به، واطمع في فضله يطب عيشك، وينعم قلبك ويزدد فرحك وسرورك، ولا تستسلم للأوهام ولا للخيالات السيئة وأنت معتمد على الجبار - جل وعلا -.. {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]؛ أي كافيه كفايةً تامة في جميع أموره، وفي جميع ما يهمه.
السبب الثاني:
التحلي بالصبر عند المصائب، والتخلق به عند المضايق..قال - صلى الله عليه وسلم -: "عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيراً له" رواه مسلم، إنه الصبر الذي يحدو بصاحبه إلى عدم التضجر والتسخط، بل صبر المؤمن الذي يوقن بما أخبر به المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ما يصيب المسلمَ من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكةِ يُشاكها إلا كفر الله بها خطاياه " رواه البخاري، وفي رواية مسلم: "ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب، ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كُفِّر به من سيئاته".
ومن الأسباب معاشر المسلمين أن يجعل العبدُ همَّه الأكبرَ الآخرةَ، والعمل لها والسعي من أجلها ؛ فمن أهمته الدنيا فقط وجعلها أكبر همه، حمَّله الله همومها وغمومها وأنكادها ؛ صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من كانت الآخرةُ همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقرَه بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له".
إخوة الإسلام:
ومن أعظم أسباب طرد الهموم وجلب الراحة والطمأنينة، المحافظة على الصلوات المفروضة، والإكثار من نوافلها بتدبر وخشوع، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي.. قال - جل وعلا -: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه يقول: "يا بلال أرحنا بالصلاة" "وجُعلت قُرَّةُ عيني في الصلاة"، وقد رُوِي عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه ابن جرير: "فإن الصلاة شفاء".
معاشر المسلمين:
ومن أقوى الأسباب لانشراح الصدور وإزالة الغموم الإكثارُ من ذكر الله - جل وعلا -: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، ومن أفضل الأذكار الإكثار من تلاوة القرآن بتدبر.. يقول - جل وعلا -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57]، وكذلك المحافظةُ على أذكار الصباح والمساء، والإكثار من الاستغفار ؛ فمن أكثر منه جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيثُ لا يحتسب، ومن ذلك أيضاً الإكثار من الصلاة والتسليم على النبي الكريم.. اللهم صلِّ وسلم عليه ، ففي حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - حينما قال: "يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك"، وفي الحديث: "قال: قلت أجعل لك صلاتي كلَّها، قال: إذاً يكفيك الله ما أهمك من أمر دينك وآخرتك، ويغفر لك ذنبك".
معاشر الأحباب:
ومن أقوى الأسباب لدفع الهموم وإزالة الغموم، ورفع الحزَن والنكد، وطرد القلق والأرق، وجلب راحة البال وإصلاح الحال التوجُّهُ إلى العظيم الكريم - سبحانه - والتضرع إليه.. قال أنس:"كنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا ً يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن.." إلى آخر الحديث الذي رواه البخاري.
وفي كتب الأذكار جملة من الأدعية لطرد الحزن، وإذهاب الهم، ورفع الكرب.
ومن أعظم الأسباب لانشراح الصدور وراحة البال النظرُ إلى النعم التي لا تحصى مما أنعم الله بها عليك أيها المسلم، وأن تستيقن أن ما أصابك من المكروه لا يكون شيئا بالنسبة للنعم التي تعايشها.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى من هو أسفلُ منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ؛ فإنه أجدرُ ألا تزدروا نعمة الله عليكم" متفق عليه.
لما قُطعت رجلُ عروةَ بن الزبيرِ - رضي الله عنه - قال له عيسى بن طلحة - رضي الله عنه -: "يا أبا عبد الله ما أعددناك للصراع ولا للسباق، ولكن أبقى الله منك لنا ما كنا نحتاج إليه.. رأيك وعلمك، فقال: ما عزَّاني أحدٌ مثلك"، وهو الذي يقول: "إن أخذ الله عضوا فقد أبقى أعضاء كثيرة".
إخوة الإسلام:
ومن أسباب زوال الهم والغم أن يعيش المسلم متفائلاً مستبشرا، نظره دائماً يقع إلى الحسن لا إلى السيئ يلحظ المحاسن فيغلبها، ويتغاضى عن المساوئ ويتناساها، فتحل حينئذٍ المحبة في قلبه، وتنزل السكينة فؤاده.." لا يَفرَك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضِيَ منها آخر" رواه مسلم.
معاشر المسلمين:
ومن الأسباب المعينة على انشراح الصدور في حال نزول الضيق والضنك أن يستشير المسلم ذوي الرأي، ويستمع لذوي النصح من أهل العلم والفضل والصلاح ؛ ففي ذلك تسليةٌ للقلوب وأنس للأفئدة، وطردٌ للهموم والكروب، فقد قال خباب بن الأرت - رضي الله عنه -: "شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مُتوسِّدٌ بردةً له - وهو في ظل الكعبة - فقلنا له: ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعوا الله لنا ؟..." الحديث رواه البخاري، ويقول الزبير ابن عدي: "أتينا أنس بن مالك - رضي الله عنه - فشكونا إليه ما نَلقى من الحَجَّاج، فقال: اصبروا العثر" رواه البخاري.
ومما يجلب السرور ويزيل الهم الذي يحدث بسبب خوف من المستقبل، ويرفع الحزن الذي على الماضي أن يحرص المسلم على الجد والاجتهاد في إصلاح حاضره في دينه ودنياه، وأن يشغل نفسه بالأمور النافعة، ولا ينقاد للكسل الضار، ولا يستسلم للأمور المكروهة التي قد مضت ونفذت ؛ فاشتغال الفكر بها من باب العبث والمحال، فحينئذ يمضي قدماً في أمور دينه لتحصيل الخيرات ودفع المضرات.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك ولا تعجز واستعن بالله، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلتُ كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل" رواه مسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن وسنة سيد الأنبياء والمرسلين، ونفعنا بما فيهما من الهدى والفرقان.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء والمرسلين.. اللهم صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى آلهِ وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فياأيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فهي وصية الله للأولين والآخرين.
أخي المسلم:
إذا وقعت بك ضراء، ونزل بك ألم أوجب الهم والغم فأسدِ لغيرك إحسان، وأوصل إليه جميلاً يعقب ذلك لك فرحاً وسرورا ؛ فالله - جل وعلا - يقول: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، وأكثروا حينئذ من الصدقة، فهي تدفع النقم وتزيل الهم، وهي سبب للشفاء والعافية، فمن تصدق بنية الشفاء وجد ذلك عياناً.
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "داووا مرضاكم بالصدقة "، وقد تواتر في قصص كثيرة عَبرَ التاريخ أن الصدقة لها تأثيرٌ عظيم في جلب الشفاء بإذن الله - جل وعلا - شفاء القلوب وشفاء الأبدان، وليكن شعارك أيها المسلم في هذه الحياة عند التعامل {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، فكن ذا قلب لا يحمل الحقد، وكن ذا صدر بريء من التشفي والانتقام تسعد وتغنم، وتفرح وتسر.. قال الشافعي - رحمه الله -: "لما عفوت ولم أحقد على أحد، أرحت نفسي من هم العداوات".
ثم إن الله أمرنا بأمر عظيم ألا وهو.. الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على نبينا وحبيبنا محمد،وعلى اصحابة اجمعين والحمد لله رب العالمين
خطبة الجمعة بالمسجد النبوي - 11 ذو القعدة 1430 هـ
أسباب انشراح الصدر وذهاب الهم والغم للشيخ/حسين ال الشيخ- جزاه الله خيرا.

روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More